Monday 22 March 2010

الوغد.......قصة قصيرة أوى

كان شابا طائشا بكل معنى الكلمة.ورث عن أبيه الملايين فأنفقها فى كل دروب الفساد,أصبح وجها مألوفا فى كل كباريهات مصر,صار صديقا مقربا للراقصات وفتيات الليل,تعاطى المخدرات وشرب الخمر وصار عبدا لشهواته,حتى جاء ذلك اليوم,كان يقود سيارته الفارهة عائدا لمنزله فى اولى ساعات الصباح بعد أن قضى سهرة حمراء وصفراء وخضراء احتفالا بعيد ميلاده التاسع والعشرين.لأول مرة لم يكن سعيدا فى يوم كهذا,تذكر أباه وسيطر عليه مزيج من تأنيب الضمير والسخط على تلك الحياة,لم يعد يحس بالمتعة فى ارضاء شهواته كما اعتاد,لم يعد يحس بالرضا عن حاله.لأول مرة يشعر برغبة حقيقية فى تغيير جذرى,لا ينقصه سوى تلك اللحظة الفارقة التى تغير حياة الكثيرين كما نرى فى حياتنا.

وفجأة حدث ما كان ينتظر.سمع صوت ارتطام جسم ما بمقدمة سيارته الفارهة وتحطم زجاجها الأمامى,اتسخ اللون الابيض للسيارة باللون الاحمر للدماء.أوقف سيارته لثوان ونظر فى مرآة السيارة ليجد الجسم الراقد خلفه لفتاة صغيرة كانت فيما سبق فى مقتبل العمر اذ لا تبدو عليها أى من علامات الحياة.أصابه الموقف بالشلل,بدون تفكير انطلق بسيارته مسرعا مخلفا وراءه جثة هامدة لطفلة بريئة.فى البداية أصابه الخوف والهلع,سيطر عليه الاكتئاب وتأنيب الضمير لكنه لم يملك الشجاعة أبدا للاعتراف بجريمته حتى فى خياله.

مرت شهور على الحادث تغيرت فيها حياته تماما,حاول التكفير عن جريمته بشتى الطرق.ترك حياة المجون والفساد ورفاق السوء,باشر أعمال والده,صار يواظب على الصلاوة وتلاوة القرآن,شارك فى كل الأعمال الخيرية المتاحة,عقد النية على حج بيت الله فى أقرب فرصة.صار هذا التغيير حديث الناس,فرح له الكثير كما توقع له الكثير العودة بعد وقت الى ما كان عليه.شعر بشىء من راحة الضمير,تذوق حلاوة التوبة والتقرب الى الله,لكنه لم يسلم من الكوابيس التى تأتيه بين الحين والآخر لتذكره دائما بقتله طفلة بريئة والأدهى من ذلك الفرار دون حتى التأكد من وفاتها.

كان اليوم التاسع من شهر رمضان.صام لأول مرة صياما صحيحا,صام وقام الليل وقرأ القرآن ودعى ربه أن يغفر له خطيئته,بينما هو أمام التلفاز شاهد ما لم تصدقه عيناه.شاهد نفسه يصدم الفتاة بسيارته,نعم هى السيارة نعم هو السائق بعينه,{اى نفسه يتوقف لثوان ثم يلوذ بالفرار.استعاد كل ذكريات هذا المشهد الأليم حتى تلقى المفاجأة الثانية,شاهد الموقف نفسه يتكرر مه أشخاص آخرين,شاهد اختلاف الناس فى ردود أفعالهم فى كل مرة.منهم من فعل مثله ومنهم من تحمل المسئولية وترجل من سيارته ليقدم العون للطفلة المصابة ليفاجأ انها لم تكن طفلة على الاطلاق,بل لم تكن كائنا حيا من الأساس.كانت دمية على هيئة طفلة,ما أن يكتشف السائق تلك الحقيقة حتى يتجمع بعض الأشخاص حوله يضحكون ويتبادلون المزاح حتى يتبرع أحدهم ويوضح الحقيقة.انها حلقة من حلقات برنامج "الكاميرا الخفية" الشهير,وبعد تحمل ردود أفعال الضحايا وسبابهم ولعناتهم واحتواء غضبهم تظهر الكاميرات ويبتسم الشخص المخدوع للكاميرا وهم يلقون عليه العبارة الشهيرة "عايز تذيع قول ذيع مش عايز مش هنذيع"

انهار من صدمته أمام التلفاز واغرورقت عيناه بالدمع,لم يكن يعرف تلك دموع فرحة أم حزن,ضحك و بكى فى آن واحد,حتى وجد نفسه يجيب فى نفس اللحظة مع زميله المخدوع "ذيع,خلى الناس تتبسط"

No comments:

Post a Comment